رسالة إلى السيدة نادية مراد
جان دوست
سيدتي العزيزة نادية مراد
تابعت مثل غيري الكلمة المؤثرة التي ألقيتها بمناسبة فوزك بجائزة السلام يوم الإثنين العاشر من. كانون الأول الجاري.
أود أن أبارك لك أولاً هذا الفوز الذي تستحقينه بجدارة بعد أن حملت لواء الدفاع عن المضطهدات من بنات دينك وقومك وتابعت قضية السبايا الإيزيديات وأظهرت شجاعة فائقة في مواجهة المحنة. كما أود القول إن كلمتك كانت محكمة جيدة بالرغم من الأخطاء الهائلة في النطق واللفظ والإعراب كون اللغة التي تكلمت بها وهي اللغة العربية، ليست لغتك الأم ومن الطبيعي أن تجهلي أصولها.
كما أتمنى أن لا يتم فهمي الآن على أنني أعادي اللغة العربية. بالعكس فأنا من أشد المعجبين بهذه اللغة وأكتبت بها بعضاً من رواياتي جنباً إلى جنب مع لغتي الكردية والتي أعتز بها وأرى أن النضال في سبيل حمايتها لا يقل أهميةً عن النضال في سبيل قضية إنسانية مثل التي تدافعين عنها.
كان من الأجدر بك أن تلقي كلمتك باللغة الكردية، وأنت الفتاة التي تربيت في عائلة تعتنق الدين الإيزيدي الذي يعتبر من حماة اللغة الكردية ومن بناتها عبر مئات الأدعية والمأثورات الدينية الجميلة. اللغة الكردية هي الأشد التصاقاً بالديانة الإيزيدة ولا يمكن فصل الإيزيدية عن اللغة الكردية مهما حاول المغرضون وأصحاب النفوس المريضة.
اللغة الكردية يا سيدتي هي لغة أبيك وأمك وأهلك وأخواتك اللواتي سبتهن داعش. اللغة الكردية هي لغة مصحفا رش، والجلوة، هي لغة القوالين الإيزيديين منذ مئات السنين. لغة الصلوات التي تتمتمين بها في سرك وتدعين بها ربك. حتى الرب يا سيدتي نادية تكلم مع شعبك الإيزيدي بلغتك.
لا أظن أنك كنت ستخطئين في اللفظ وأنت تتكلمين لغتك التي ورثتها عن أمك. بلا شك أمك هدهدتك وهدهدت أخواتك عندما كنتن صغيرات باللغة الكردية، أمك قصت عليكن قبل النوم كل مساء قصصاً باللغة الكردية فكان حرياً بك أن لا تخوني هذا الإرث الجميل. اللغة الكردية يا سيدتي علامات فارقة من علامات الدين الإيزيدي. اللغة الكردية جزء لا يتجزأ من الإيزيدية. والإيزيديون هم الذين حموا كثيراً من المفردات الكردية الأصيلة من الاندثار بفضل الأدعية المقدسة.
لقد التقيتُ بلاجئين إيزيديين كثيرين هنا في المانيا في مخيمات اللجوء خلال عملي مترجماً. كنت أحزن لقصصهم الأليمة، وأواسيهم بما أستطيع، لكنني بنفس الوقت الوقت كنت أستمتع وأنا أصغي إلى الموسيقى الجميلة التي تصاحبهم حديثهم الكردي بنكهته الإيزيدية الخاصة.
أخطأت يا سيدتي نادية مراد عندما لم تتحدثي بلغة أمك حينما صعدت تلك المنصة الهامة وسمعك العشرات من الشخصيات البارزة في القاعة والملاين من البشر في العالم. إن اللغة الكردية، أي لغة الديانة الإيزيدية، مهددة لأسباب كثيرة ولذلك كان سيكون حركة ذكية منك تلفت أنظار العالم ليس فقط إلى مظلومية الإيزيديين ومحنتهم عبر التاريخ وفي العصر الحالي فحسب، بل إلى لغتهم المهددة أيضاً. كان سيكون ذلك جعماً كبيراً للغة تجمعك بمئات الألوف من الإيزيديين من جهة وملايين الكرد الذين بكوا لمحنتك وضحوا بأبنائهم في سبيل الآلاف من السبايا وتحرير شنكال من قبضة الظلاميين. إن اللغة الكردية جزء هام بل ربما الأهم في الهوية الإيزيدية. فلا إيزيدية بدون لغة كردية.
أتمنى أن يكون ذلك خطاً غير مقصود منك ومن فريقك عملك وأن تتداركي هذا الموضوع وتتكلمي عن محنتك بلغتك الكردية الرشيقة بدل التحدث باللغة العربية التي ليست هناك جملة واحدة لا تخطئين فيها.
سيدتي العزيزة:
اللغة الكردية حضن يجمعك بباقي الكرد، والكرد هم العمق الاستراتيجي للإيزيدية بالرغم من مرارة التاريخ وقساوة الماضي. عشنا على هذه الأرض معاً، ورضعنا سوية من ثدي لغة واحدة وسنعيش معاً لا يفرقنا دين ولا طائفة بعيدين عن محاولات المغرضيم دق الأسافين بيننا وتمزيق صفنا.
لك مني أصدق التبريكات مرة أخرى.